الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في قسم "أسبوع النقاد" بمهرجان كان: رغبة آفا في الحياة ومغامرة غابريال اليائسة المرحة

نشر في  29 ماي 2017  (12:43)

بقلم الناقد طاهر الشيخاوي- مراسلنا من مهرجان كان

لم نتمكن من متابعة قسم "اسبوع النقاد" بسبب بُعد قاعة ميرامار خاصة مع ما حصل من تعطيل بسبب الإجراءات الأمنية ونظرا للعدد الهائل الأفلام. ولكن تمكنت من رؤية « آفا » عند عرضه بعد تحصّله على جائزة sacd أي شركة "الكُتاب ومؤلفي الموسيقى الدرامية" وهي واحدة من جوائز قسم « أسبوع النقاد ». وكنت سعيدا بذلك. فلمٌ أول ناجح لمخرجة ناشئة، ليا ميسيوس، متخرجة من معهد الفيميس المشهور بباريس قسم السيناريو. ليا ميسيوس ساهمت أيضا في كتابة سيناريو « أشباح جوبيتير » إلى جانب آرنو ديبليشان.

يروي « آفا » قصّة مراهقة عمرها 13 سنة تكتشف بعد فحص طبّي أنها على وشك فقدان البصر. أثـَر هذا الإكتشاف جعلها تنظر للواقع نظرة غيّـرت مجرى حياتها تماما كما لو تسارع فجأة نسقُ مرور الزمن.

يتعاظم وعيُها بسذاجة أمّها فتبتعد عنها وكأنها سلّمتها لها مراهقتها، مراهقة البنت وتسلّمت منها نضجَها، نضج أمّها المعطّـل. تدخل آفا غمار عالم كانت تجهله تماما، عالم الحبّ والرغبة، رغبة الحياة والمغامرة.

تبدأ الرحلة عند التقائها بكلب أسود، تسرقه من صاحبه مستغلة لحظة غيابه وهو في المغازة. ثم تتعرف على صاحب الكلب الذي ترتبط به عاطفيا ثم ترافقه في مغامرات خطيرة. صديقها هذا من الروم المهمشين. في الوقت الذي تفقد فيه آفا بصرها تنفتح عيناها على ظلمة المجتمع فتجد نفسها في مقاومة عنيفة ضد السلطة.

ليا ميسيوس توفقت في ايجاد الأسلوب الأنجع للتعبير من خلال شخصيتها على نشأة الوعي في سياق اجتماعي ثقافي في فرنسا كان لا بد للمبدعين أن يساهموا في رؤيته. ثم يجب التنويه بالآداء الرائع للممثلة الشابة نوي أبيتا الذي كان لها فضل كبير على نجاح الفلم.

 

في نفس أسبوع النقاد، أثار فلم « غابريال والجبل » إعجاب النقّـاد وكانوا محقّين في ذلك. فيليب غامارانو باربوزا مخرج أرجنتيني من مواليد 1980 كان قدّم سنة 2014 شريطا نال إعجاب المهتمين بالسينما وهو « كازا غراندي ».

يأتي إلى مهرجان كان بشريط جديد مستوحى من واقعة هزّت الرأي العام في الأرجنتين سنة 2009. شاب وهو من أصدقاء المخرج، يقرر السفر للقـارة الإفريقية في مغامرة وجودية ويلقى حتفه في جبال المولانجي في الملاوي بعد سنة من التجوال والترحال عبَر أثناءها كينيا وتنزانيا وزمبيا.

الصعوبة في مثل هذه الأعمال تكمن في عدم السقوط في الإثارة نظرا لسنّ الشاب المغامر ونهايته الدرامية والمتاجرة بها، خاصة وأن الممثل أبلى البلاء الحسن. ولكن اختار فيليب غامارانو باربوزا منحى مختلفا جعل من المغامرة أكثر من محاولة سياحية فاشلة أو أزمة مراهق ظلّ السبيل.

فعلاقة الشاب بسكان البلدان التي مرّ بها كانت لا سياحية ولا اتنولوجية بل وجودية تطرح قضية أساسية: ماذا يمكن أن يقدّم لي الآخرون أو ماذا يمكن أن تقدم لي معرفتُهم وأنا أبحث عن ذاتي. تجربة غيرية بالأساس وبالمعنى العميق للكلمة.

اندفاع  غابريال كان مزيجا من البحث عن شيء ما وفي يأس مرح لا متناهي يتجاوز بكثير الطموح السائد، الطموح الإجتماعي أو حتى طموح الأبطال في اجتياز الحدود ولم يكن أيضا تجربة انتحارية يائسة ولكن اختراق للغيرية يعبّر عما يشوب أو يمكن أن يشوب الشباب اليوم من تطلع قوي ويائس ومرح في إثبات الذات بعزيمة وبساطة بعيدا عن أي نفعية مادية أو إثارة إعلامية.

هذا الخليط من القرب للذات والإبتعاد عنها نحو الآخر القريب البعيد هو الذي أسّس لتفرد هذا التمشي. اختار المخرج أن يعيد بدوره وهو يخرج الفلم المرور بنفس المحطات التي مر بها صديقه غابريال مع الإبقاء في الفلم على نفس الأشخاص الذي عرفهم في مغامرته. تحصل الفلم على جائزتين في قسم أسبوع النقاد. ولم تكن المكافأة غير عادلة، وهو أقل ما يمكن أن يقال.